الشيخ نجم الدين محمد الغزّي ...محدث الشام و مؤرخها الذي يرجع أصله إلى غزة , ولد بدمشق
(977للهجرة) و نشأ فيها حتى أصبح من كبار العلماء و قد دعا له والده بعدما
كتب ميلاده فقال : أنشأه الله تعالى ولداً صالحاً برّاً تقيّاً و كفاه و
حماه من بلاء الدنيا و الآخرة و جعله من عباده الصالحين و علمائه العاملين
و قد نشأ نجم الدين في رعاية والده الذي أحضره دروسه و هو في الرابعة من
عمره و كان يشجعه هو و إخوته على العلم و يمنحهم المال كلما رأى منهم
إقبالاً على التعلم فلما بلغ السابعة أخذ يقرأ بين يدي والده قصار المفصّل
و سورة الفاتحة و أوائل سورة البقرة.
و قد ربّاه هو و إخوته على العبادات فأمره بصوم رمضان و هو ابن ست سنوات فصام معظم الشهر و كان يمنحه عن كل يوم يصومه قطعة نقد فضية.
فمن هو ذلك الأب ؟ إنه العلامة الشيخ بدر الدين الغزي المدرس بالجامع الأموي و المدرسة التقوية و الشامية بدمشق.
و قد كان للأم دورها الكبير كذلك في رعاية ابنها نجم الدين حيث أحسنت
تربيته و حثّته هو و إخوته على متابعة سيرتهم العلمية و حرصت على تعليمهم
الصلوات و الآداب و أجازت شيوخهم و كافأتهم.
انصرف نجم الدين للأخذ عن كبار علماء دمشق في عصره و أخذ عن بعض محدّثي
مكة المكرمة حتى أتقن القراءات و الفقه و الأصول والفرائض و التفسير و
العربية و بحث في الحديث و به اشتهر و قد انفرد بعلو الإسناد بآبائه و
أجداده.
حجّ الشيخ نجم الدين اثنتي عشرة مرة أولها سنة 1001 و آخرها سنة 1059
للهجرة و في هذه الأخيرة توافد الناس عليه و ازدحموا فكادوا يسدون عليه
الطريق من أجل طلب الإجازة بالحديث النبوي لشهرته بينهم و زار القدس في
أواخر حياته.
ومن عجائب أخباره أنه كان يدرّس في الجامع الأموي و هو دون البلوغ و قد
تولى بعد ذلك الإمامة و الخطابة و الوعظ و التدريس و هو في الخامسة عشرة
من عمره و قد درّس صحيح البخاري في الجامع الأموي تحت قبة النسر و كان
عمره ثلاث و عشرون عاما.
أذن له العيثاوي بالفتوى و هو دون العشرين و لكنه لم يجز لنفسه ذلك بحياة
الأستاذ احتراماً له و كان له مؤلفات كثيرة في مختلف العلوم الشرعية و
العربية و له أشعار عديدة منها قوله:
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر
على صفحات الماء و هو رفيع
و لا تك كالدخان يعلو بنفسه
إلى طبقات الجو و هو وضيع
توفي مستقبل القبلة و هو يسأل عن أذان العشاء و كان ذلك يوم جمادى الآخرة سنة 1061 للهجرة الموافق 1651 ميلادي.